الثورة المصرية ضرورة مصرية .. وحاجة عربية
الثورة .. مبادرة وتضحية
( كل جيل يحتاج إلى ثورة ) تومس جيفرسون
الثورة مرادف للانقلاب على وضع أو نظام قائم أياً كان هذا النظام وعندما يرتبط بالدولة فإنه يأتي لتغيير النظام السياسي الذي بموجب تغييره تتغير المنظومة التي يعمل في إطارها نظام الحكم فيما يسمى بالتغيير السياسي ، الاجتماعي بأنها التغيير المفاجئ في النظام الاجتماعي والسياسي والمؤسسي القائم .
ومن خصائص الثورة هي عنصران : المبادرة أو المفاجأة والسرعة والاستعداد للتقديم التضحيات وذلك لإحداث عملية التغير المطلوبة لإستبدال النظام الذي قامت الثورة لتغيره لإرساء نظام سياسي واجتماعي واقتصادي وأمني وصحي وتنموي وعسكري يعمل على تغيير منظومة القيم للنظام وبالتالي تغير المجتمع الذي سيعمل فيه النظام الجديد لأنه من غير الممكن أن يتغير النظام مع استمرار منظومة القيم الفكرية المتعلقة بهذا النظام وهذا من خصائص الثورات الكبرى فهي تغير الرموز والقيم الجوهرية والأخلاقية التي جسدتها رموز النظام السابق ثم تحولها لقيم جوهرية جديدة تمثل في حد ذاتها رمزاً جديداً يتم البحث عن من يجسده من الأشخاص والرموز في هذا النظام الجديد .
وهنا نجد أن الثورة تضع المقاييس والمعايير التي ينبغي أن يكون عليها المجتمع المنشود ثم تبحث عن الرمز القادر على الالتزام بهذه القيم والمعايير وتسند إليه المسئولية ثم تحاسبه عليها وفق منظومة المحاسبة والمسئولية في النظام الجديد ، فلا يأتي الرمز ليفرض قيمه الذاتية ولكن يأتي لينصهر ضمن منظومة القيم العامة للنظام الجديد ، وهذا الأصل ولكن قد يحدث في بعض الحالات أن يتم اتحاد مجموعة من الأفراد يحملون نفس القيم وييعيشون تحت نظام يريدون أن ثوروا عليه فيتحدوا على تلك القيم فيما بينهم ليصوغوا منها رؤية واحدة تنبثق منها مجموعة من الأهداف التي تصب في صالح التغيير الكلي.
وبإسقاط ذلك على الثورة المصرية السلمية نجد أن الشعب المصري قد تداعى بجميع قطاعاته ليتحد على قيم لطالما ظلت بداخله وتحدث عنها في صمته قيم غائية مثل الحرية والتغير والعدالة الاجتماعية وقد مارس تلك القيم وهو يطالب بلها في ميدان التحرير أمام العالم ليقول للعالم أنا أستحق تلك القيم التي أنادي بها لأني قد بنيت دولتي في ميدان التحرير عليها فعاش شعبي بقيم وسائلية تقليدية هي التضحية والتفاني والتعاون والمسئولية والشجاعة والتحدي والعزيمة والإصرار وأهم قيمة من هذه القيم هي قيمة الحب الذي أظل ميدان التحرير.
الثورة .. قدرة وإمكانية
( إن الثورة تصنع في يومين ما يتطلب مئة عام ، وتخسر في عامين ما يحتاج لخمسة ) غير معروف
إن الثورة تحدث في مجتمع تسوده علاقات ظالمة ويعم فيه الفساد بشكل شمولي أفقي ورأسي ، بحيث تكون حرية السواد الأعظم من أفراده غير مصانة ، بل مهدرة ، أو أن تكون مجرد شعار يرفعه من يقمع هذه الحرية تماماً كما كان النظام المصري الذي كان يتستر بشعارات الديموقراطية ويمارس الدكتاتورية القهرية والقمعية على شعبه وشعوب المنطقة بل لقد رأيناه في خطاباته الأخيرة وهو يدعي تلفزيونياً بأنه قد أعطى الشرطة الأوامر لمعاملة الشعب معاملة كريمة محترمة بينما هم يمارسون القتل والاعتقال والإرهاب ضد الثوار العزل.
الثورة .. وأسلوب التغيير
( ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ) غير معروف
إن أدبيات الثورة والثوار تقول إن الثورة تحل بعنف أسطورة جديدة محل أسطورة قديمة أو هي تغيير جماهيري سريع وعنيف ولكنيا رأينا ثورة تاريخية استطاعات بسلميتها ووعيها الحضاري التي استدعته من أعماق التاريخ إنها ثورة مصر التي أبهرت وألهمت العالم بهدف إعادة بناء الدولة على حد تعبير جورج سوبر بيتي ، وهنا نجد تعريفاً رائعاً للثورة يأتي من لينين الذي يقول بأن الثورة ( علي أن انتقال سلطة الدولة من طبقة لطبقة هي العلامة الأساسية والجوهرية للثورة بالمعنى العلمي المحدد والمعنى العلمي السياسي العملي للتعبير ) إلا أننا في حالة الثورة المصرية لازلنا أمام تحديات كبيرة هل ستنتقل السطلة ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري من الطبقة الحاكمة إلى أن تحكم تلك الطبقة من قبل الشعب الذي هو مصدر سلطاتها فتكون قوة الشرعية أفضل من شرعية السلطة أو القوة ، إن الثورة يعرفها البعض بأنها خط يشطر الزمان نصفان ماقبل وما بعد في عملية إبداع واستبدال واضحة للقيم والرموز والمنهجيات جديد بقديم دون حولاً وسطى أو إندماج بينهما.
ولكن في الحالة المصرية قد يكون هناك الاستعانة ببعض الرموز القديمة والتي لديها من الخبرة ما ليس متوفراً لدى الطاقات الشابة والجديدة الصاعدة ولكن الفرق يكمن في أن الثورة ستوظف تلك الخبرات بقيمها فتحدث عملية إندماج جزئية بين القديم والجديد من خلال استخدام وتوظيف الثورة والشعب لبعض تلك الرموز التاريخية للعمل من خلال قيمها ومبادئها وربما نرى حالة من حالات التماهي أو اتحاد بين تلك الرموز وبين قيم الثورة السلمية " الحرية والعدالة الاجتماعية " وهذا هو المرجو على المدى القريب.
ولكن هذا التوظيف يجب أن يحدث لمن لم تلطخ يده بالفساد المباشر أو غير المباشر من الرموز السابقة على كآفة الميادين والأصعدة السياسية،الاقتصادية،الاجتماعية،الثقافية،الفنية،وغيرها من مجالات المجتمع.
إن زلزال الثورة الذي لم تستطع أجهزة القياس التنبؤ به أو قياس مدى قوته ولكنها قد شهدت أثاره الضخمة في مصر والمنطقة فقد كسر النظام الحديدي الذي سد كل منافذ الحياة عن أجيال واعدة لأمة صاعدة لم تتحمل التجهيل والتصغير العيش فخرجت من واقعها الافتراضي لتفرض واقعاً جديداً على الأرض المصرية ، فكسرت قشرتها الصبلة وخرجت للنور وكان خروجها مدوياً فسمعه العالم وتهاوى معها أركان النظام الظالم ،الفاسد والمستبد الذي بنى نظامه على القهر والخوف وانتهاك حقوق الإنسان وإهدار كرامته بشكل منظم ثم كان القتل المنظم والمحترف لاغتيال شاب الثورة العزل.
ولكن أخطر شيء فعله النظام البائد "كعاد وثمود" في مصر هو اغتياله لروح الإنسان المصري الوثابة ، التي بنت الأهرام وخلدت التاريخ عبر العصور فتركت من الأثار ما تركت للعالم شاهدة على حضارة عظيمة ما اندثرت ، ولعل هذا أبرز من خسره العالم خلال فترة إنحطاط النظام في مصر والذي غيبها عن مواكبة الإنسانية ، ولكنه هو أيضاً من ساهم في إعادتها وهذا ما يجعلنا نوقن بقدرة الله تعالى وقوته فما فعله في ثلاثين عاماً قد أعاده الله إلينا في ثمانية عشر يوماً ( إقرأ مقالتي السابقة.. شكراً مبارك والتي كتبت في الأيام الأولى للثورة) وهذا هو المهم عودة الروح فمصر كانت موجودة وروحها غائبة وعندما تغيب الروح فما النفع من الجسد يظل ساكناً في حالة قريبة من حالة الموات فسبحان المحيي المميت المعز المذل الذي أعز الشعب المصري والأمة العربية بأهل مصر وقد صدق النبي العظيم صلى الله عليه وسلم حين قال ( إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً) فيا أيها المسلمون والعرب خاصة هذه وصية النبي لكم استوصوا بمصر وبأهلها المصريين " مسلمين ومسحيين " خيراً فعزها عزكم وذلها ذُل لكم.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية
0 التعليقات:
إرسال تعليق