ماذا يعني إعلان حفتر ..
خروجه من تحت سلطة "حكومة الوحدة الوطنية" الجديدة؟
بقلم/ محمد صلاح الدين عبد ربه
بعد فترة من هدوء امتدت لعدة أشهر خفض فيها صوت السلاح على كافة الجبهات في ليبيا ، وتحت رعاية الأمم المتحدة تم بناء عملية سياسية جديدة أسفرت عن حكومة أُطلق عليها " حكومة الوحدة الوطنية" وذلك بعد أنقضى عمر حكومة الوفاق الوطني .
وما أن بدأت الأمور تسير في الاتجاه الصحيح حتى فوجئ الليبيين والعالم بعودة اللواء الليبي المتقاعد والمتهم بارتكاب جرائم حرب خليفة حفتر إلى الواجهة مرة أخرى ببيان مفاجئ أثار فيه الكثير من ردود الأفعال الغاضبة ، وأعاد للأذهان شبح الحرب وألقى بظلال من القلق والشكوك حول إمكانية تحقيق انتقال سلمي سلس للسلطة في ليبيا بوجود شخصية متمردة تعمل دائماً على زعزعة الاستقرار وإثارة النعرات القبلية بصفة مستمرة.
حيث أعلن في البيان : عدم تبعيته وقواته لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة، - مما يُعد إعلان عصيان وتمرد عسكري بكل ما تحمله الكلمة من معنى - وذلك بعد أن شن هجوماً إعلامياً عليها، بسبب إلغاء زيارة الحكومة لبنغازي، تلك الزيارة التي كان يأمل أن تكون تحت حمايته ليقول للجميع أنه فوق السلطة والدولة الليبية.
فما هي أهدافه من إثارة الأجواء مرة أخرى؟
وهل ما حدث ليس له ما بعده أم أنه بداية لدائرة من الصدام العلني بدأ بينه وبين حكومة عبد الحميد الدبيبة ؟
هل يتطور إلى صدام عسكري كما كان مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج؟.
وللإجابة على هذا التساؤل يجب سرد بعض النقاط الهامة أولاً :
أولاً: بعض وسائل الإعلام تنقل في عناوينها خروج حفتر من تحت حكومة الدبيبة كما فعلت عربي21 وهو خطأ مهني ربما غير مقصود لأن الحكومة كما أسمتها الأمم المتحدة حكومة الوحدة الوطنية ونسبتها لشخص أمر لا يعبر عن وعي سياسي بل يساعد في الاستهداف السياسي والتقليل من شأن الحكومة التي يعتبر أنها تمثل الليبيين باعتراف الأمم المتحدة.
ثانياً: حكومة الوحدة الوطنية التي تم اختيارها من الليبيين تحت إشراف الأمم المتحدة والمدعومة من المجتمع الدولي لها كامل الحق في توحيد كافة مؤسسات الدولة تحت سيادتها - كحق سيادي- وسحق أي تمرد عسكري ضدها يقوم به أي من القادة العسكريين وإلا فما فائدة وجود تلك الحكومة وما فائدة الاعتراف الأممي والدولي؟
ثالثاً: حفتر المتهم بارتكاب جرائم حرب يسعى لاستكمال فصل جديد من فصول الصراع في ليبيا بإعلان تمرده على الحكومة وتمسكه بعدم توحيد الجيش الليبي تحت قيادتها، لأن توحيد الجيش الليبي يعني خسارته لمركزه، فهو يُصارع للوصول للسلطة السياسية منطلقاً بتوظيفه للقوة العسكرية التي يُسيطر عليها يعني استكمال انقلابه مرة أخرى.
رابعاً: الوزير السابق، عيسى التويجرقال : إن "حفتر يصر على أنه فوق الجميع، وهو نموذج السلطة الشعبية الذي سنه القذافي، حيث يكون القائد فوق البرلمان وفوق الحكومة، وتكون تعليماته وأحاديثه منهاج عمل للبرلمان والحكومة". نموذج واقعي للدولة العربية
خامساً: سبق وذكرت أن القوى الإقليمية والدولية الداعمة لمشروع الانقلاب في ليبيا بقيادة الجنرال المتهم بارتكاب جرائم حرب في ليبيا لن تتخلى عن مشروعها الانقلابي للسيطرة على ليبيا لأسبابها السياسية والاقتصادية والأمنية للأنظمة الوظيفية العربية التي لا تقبل فكرة الديمقراطية لذا فهي لن تسمح بدخول ليبيا في مرحلة تحول ديمقراطي هادئة.
سادساً: لقد كانت الفترة الماضية فترة إعداد للمعركة التالية التي سيشنها الجنرال المتقاعد والمُتهم بارتكاب جرائم حرب "خليفة حفتر" في أقرب فرصة لقلب الطاولة السياسية عبر استنساخ تجربته العسكرية الفاشلة للسيطرة على الحكم، أو إبقاء ليبيا في حالة عدم الاستقرار لأطول فترة ممكنة حتى تتحول لدولة فاشلة ويتم تقسيمها وفق سيناريو التقسيم لعدة مناطق تكون فيها سيطرة حفتر على المنطقة الغنية بالنفط.
سابعاً: الأتراك لم يعلقوا على تصريحات حفتر حتى الآن، على اعتبار أن الأمر شأن داخلي ليبي، ولكن موقفهم واضح أيضاً تجاه دعم حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وحتى الدول الداعمة لحفتر، والتي تدعم الحكومة سياسياً في العلن وتعمل على إسقاطها وتمكين حفتر في الخفاء.
ثامناً: المصريين أيضاً لم يُعلقوا على هذه التصريحات ولكن قبل أيام قليلة وتحديداً في تاريخ 14 إبريل 2021 نشرت روسيا اليوم عن الأناضول خبراً يقول: نقلت وكالة "الأناضول" التركية عن مسؤول عسكري ليبي اتهامه للجيش المصري بتوريد شحنة من الأسلحة والذخائر لقوات المشير خليفة حفتر تحت غطاء تقديم مساعدات طبية لليبيا.
تاسعاً: والخبر السابق يدعم التحليل المشار إليه أعلاه أن هناك عملية استعدادات تجري على قدم وساق لإحياء المشروع الانقلابي واستئناف المعارك للسيطرة على ليبيا بالقوة العسكرية، وأكد ذلك تصريح رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة بقوله "هناك أناس بنوا ثرواتهم من هذه الحرب اللعينة" مشيراً إلى وجود أطراف تسعى لإشعال فتيل الحرب مجددا في بلاده.
عاشراً: هل فعلاً يُريد داعمي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر تجربة حظهم العسكري العاثر مرة أخرى للسيطرة على ليبيا عبر استكمال الانقلاب العسكري مرة أخرى؟
للعلم
القوات العسكرية التي كان لديها طابع مليشاوي خلال الدفاع عن طرابلس العاصمة لم تعد هي ذات القوات ، بعد أن تمت عسكرتها على أيدي خبراء ومستشارين من الجيش التركي - ثاني أكبر جيش في حلف الناتو- والذي يعمل بمعايير عسكرية عالية ، وذلك منذ شهور طويلة خلال فترة وقف إطلاق النار بين الجانبين ، الأمر الذي مكن تلك القوات من تطوير قدراتها العسكرية على على يد الخبراء والمستشارين الأتراك وتطوير المستوى العسكري الخططي وامتلاك تكتيكات قتالية والتدرب على استخدام أسلحة تركية جديدة ومتطورة ، بمعنى أن أي مغامرة عسكرية لحلف الثورة المضادة " أو ناتو الشرق الأوسط" الداعم لحفتر لن تكون سهلة هذه المرة بعد كل هذا الاستعداد والتدريب النوعي.
ومع ذلك فالوضع في المنطقة مفتوح على جميع الخيارات، وطبيعة الجنرال المتهم بارتكاب جرائم حرب خليفة حفتر طبيعة دموية بحتة لا تعرف الرحمة ولا تفهم سوى لغة القوة كوسيلة وحيدة لتحقيق أطماعه في حكم ليبيا، فالرجل لا تستهويه السياسية ولا لعبتها ولكن تستهويه لعبة الحرب بكل ما فيها من دموية وتوحش.
ومع أن داعمي حفتر لا يقلون عنه دموية إلا أنهم قد يفكرون في السيناريو السياسي لتمكينه من حكم ليبيا عبر الانتخابات القادمة.
وهذا أمر ليس بمُستبعد في ظل ضعف مؤسسات الدولة الليبية من جهة، وقدرة الثورة المضادة على اللعب في الماء العكر من جهة أخرى، فلعبة الانتخابات دائماً ما تحتاج إلى المال ، وفي ظل الظروف الصعبة التي تعيشها ليبيا وتأثر اقتصادها بشدة جراء الحرب من جهة وأزمة كورونا من جهة أخرى ، وفي ظل بيئة قبلية فيها من العصبية ما فيها تكون الكلمة للوجهاء والأعيان من جهة و يكون للمال السياسي والإعلام كلمة مؤثرة يمكن أن تقال فتقلب أي موازين سياسية ومنطقة.
ولا ننسى أن الثورة المضادة في مصر عام 2012 كادت أن تصل بالمرشح الرئاسي اللواء شفيق لسدة الحكم عبر الانتخابات حيث خسر بفارق لا يتعدى 4% فقط عن الراحل الرئيس محمد مرسي رحمه الله.
كما قلت تظل كل السيناريوهات مفتوحة ، ولكن أظن أن السيناريو الأقرب هو "سيناريو الحرب" وذلك للطبيعة العسكرية لحفتر ورغبته في الوصول للحكم بانتصار عسكري حاسم يختم به حياته العسكرية الممتلئة بالكثير من الهزائم العسكرية الثقيلة من جهة ولصعوبة سيطرة داعمي حفتر على المشهد السياسي في ظل رقابة الانتخابات من ممثلي الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني والمراقبين الدوليين المزمع إشرافهم على تلك الانتخابات.
لذا فقد يخضع داعمي حفتر لرغبته في مغامرة عسكرية أخرى بدعم حلف " ناتو الشرق الأوسط " ذلك الحلف العسكري الأمني الاستخباراتي غير المعلن، والذي يضم كل من -الإمارات وإسرائيل ومصر واليونان وفرنسا والمدعوم أوروبياً وأمريكياً وروسياً أيضاً، وذلك بدافع تعويض الخسارة العسكرية التي مُني بها هذا الحلف قبل وقف إطلاق النار الأخير.
فهل يمكن لهم الفوز في المغامرة الجديدة ؟
وهل سيسمح لهم الأتراك بتحقيق ذلك النصر الذي يعرض وطنهم الأزرق للخطر؟
الأيام القادمة ستجيب على هذا التساؤل الكبير الذي يساوي حجم ليبيا وشمال إفريقيا والربيع العربي كله .
0 التعليقات:
إرسال تعليق