والآن ماذا يحدث في المنطقة..
ولماذا عادت تركيا إليها؟
27 مايو، 2020
والآن ماذا يحدث في المنطقة ولماذا عادت تركيا إليها؟
ترك بوست
بقلم/ محمد صلاح الدين عبد ربه
لقد قلت منذ فترة ليست بالقصيرة – أكثر من عام – بأن هناك
تحولات استراتيجية تحدث في المنطقة، وأن قوى الثورة المضادة تواجه انتكاسات في
إدارتها لملفات المنطقة، ومنها ملفات داخلية في بلدانها، واليوم ومع تفاقم ترك
المُشكلات، والدخول التركي المظفر للمنطقة من البوابة الليبية استطيع أن أقول لكم
أن الأمر قد تحول وبصورة كلية بالنسبة للثورة المضادة من انتكاسات وتراجعات في بعض
الملفات إلى الدفاع الوجودي عن مشروع الثورة المضادة في المنطقة وتهديد مكتسباتها
ولأول مرة منذ أن غيرت وجه المنطقة منذ بضع سنوات.
من يفهم في المُعادلات السياسية عليه أن يُدرك هذا التحول
الاستراتيجي، فالتواجد التركي بهذه القوة أمام أكثر من ستة دول دفعة واحدة بعضها
متورط بشكل مباشر وبعضها بشكل غير مباشر، يُضاف إليها تواطؤ أمريكي وأوروبي يُدرك
أن تركيا قد حسمت أمرها بعدم التراجع لأنها تدافع عن عُمقها ومُحيطها الاستراتيجي.
لقد أدركت تركيا الآن أن لديها فائض قوة وأنها إن لم تستخدم
هذه القوة للمحافظة على مصالحها الاستراتيجية والمتمثلة في وقف الانقلابات التي
حولها في الإقليم ، فهي لن تكون بمأمن عن انقلاب مُستقبلي جديد يُجهز على كل
المكتسبات والانجازات التي بنتها تركيا خلال العشرين سنة الماضية منذ صعود حزب
العدالة والتنمية في العام 2001.
إذاً فالمعركة بالنسبة للأتراك معركة وجود، وحياة أو موت، كما
هي بالنسبة لدول الثورة المضادة كذلك أيضاً، ولكن الفارق، أن تركيا تدعم الشرعية
وتدعم آمال وتطلعات الشعوب التي تدعو لها ولقياداتها، بينما تدعو ذات الشعوب على
دول الثورة المضادة والمستبدين من القوى الدولية التي ولغت بأحذيتها في دماء
الشعوب العربية لكسر إرادتها وتطلعاتها.
ولكن تركيا تُدرك أن التمترس والتدرع بدرع الحق وحده لا يكفي
إلا أن تكون للحق قوة تحميه، لهذا جاءت تركيا بقوتها العسكرية وأسلحتها المتطورة
والمتقدمة تكنولوجياً والتي أثبتت لها السبق والريادة على دولِ عُظمى في العالم
مثل روسيا التي باتت تشعر بغضب شديد من فقدان هيبتها نتيجة ما فعلته الطائرة
المسيرة التركية #بيرقدار بمنظومة الدفاع الجوي “#بانتسيرإس1” فخر الصناعة الروسية
وتدمير ما لا يقل عن تسعة منظومات خلال أيام قليلة مما يمثل إهانة شديدة وفضيحة
كبيرة للعسكرية الروسية عامة وللمجمع الصناعي العسكري الروسي الذي استخدم سوريا كحقل
تجارب لبيع سلاحه لمختلف دول المنطقة والعالم. إلا أنه قد كُشف في ليبيا بعد أن
كان يلعب في سوريا وحده من جانب واحد.
لقد تلقى الرئيس الأمريكي مؤخراً اتصالاً هاتفياً من الرئيس
الفرنسي ماكرون يطلب فيه ضرورة وقف القتال في ليبيا والعمل على إحياء العملية
السياسية. هذا الاتصال لم يكن ليحدث لولا أن الانتصارات الكبيرة والمبهرة التي
تحققت بفضل التدخل التركي لصالح حكومة الوفاق، ذلك التدخل الذي قلب موازين القوى
بصورة أفقدت تلك القوى العُظمى قدرتها على التأثير في المُعادلة منذ أسابيع طويلة.
والآن…
هل باستطاعة #فرنسا أن تفعل شيئاً؟
لا على الإطلاق، ففرنسا الآن قد خسرت سمعتها وخسرت حكومة
الوفاق وبالتأكيد ستخسر مصالحها أو بالأحرى مطامعها في ليبيا، وهي تسعى لأن تلتف
من خلال الطاولة السياسية للتواجد في المشهد.
هل باستطاعة #روسيا أن تفعل شيئاً؟
لا على الإطلاق أيضاً فروسيا رُغم ضبها لم تعلن ولن تستطيع أن
تعلن تدخلها في دولة ذات سيادة لأن ذلك يُظهرها كدولة مارقة ضد القانون الدولي،
لذا فهامش المناورة الروسية محدود في ليبيا ويتمثل في أربع أمور:
– إثارة مزيد من الاضطرابات عن طريق أنصار القذافي ودعم تمردهم
وخلق قيادة عسكرية متمردة جديدة في محاولة لجعل الطاولة عليها أكثر من خصم سياسي
لزيادة عمليات تقسيم الكعكة الليبية.
– العمل على نقل مزيد من الأسلحة والذخائر الروسية عبر الوسطاء
الإقليميين براً وجواً إلى قوى التمرد الجديدة والقديمة في آن واحد.
– التنسيق مع القوى الإقليمية والدولية ودعم تحالف دولي ضد تركيا
للضغط عليها للتراجع والقبول بحل سياسي الآن قبل أن تتدهور الأمور في ليبيا
ميدانياً أكثر وتخرج عن سيطرتهم، عندها تتحول عملية #عاصفة_السلام الليبية إلى
الشرق الليبي لطرد المتمردين من راس لانوف وكافة المدن النفطية التي يُسيطر عليها
الجنرال المتمرد.
– العمل على صناعة أزمة لتركيا بتسخين جبهة إدلب السورية وشن
هجمات على المدنيين السوريين، وإشغالها في إدلب لصرف نظرها عن ليبيا على أمل خلق
فرصة للنيل من حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً.
والأمر الأخير هو الأخطر على الإطلاق بالنسبة لتركيا ولكن هل
يمكن لروسيا أن تفعل ذلك فعلاً؟
روسيا اختبرت عزم الأتراك سابقاً وذاقت قوة بأسهم وشدة
ضرباتهم، وهي إن فعلت ذلك فسيكون ضرب من الجنون بالنسبة لها، هذا ليس أسلوب بوتين
أن يدخل في معركة يعلم أنه قد يُهان فيها، والإهانة أصبحت مباشرة الآن، كما أنه
يعلم أن الأتراك لديهم الاستعداد الكامل للاصطدام بهم لأن الأتراك لم ينسوا الـ 33
شهيداً الذين ارتقوا في إدلب بتواطوء روسي مفضوح.
كما أن الأتراك وحتى اليوم لازالوا يُدخلون أرتالاً عسكرية كل
منها يُعد أضخم من سابقه في إدلب السورية ، بصورة أعرب عنها الروس سابقاً بقولهم أن
هذا أمر مزعج.
وقد صرح مصدر ميداني بالجيش التركي بحسب أر تي إن الجيش التركي
أرسل، يوم الإثنين الماضي، تعزيزات عسكرية ضخمة إلى إدلب السورية. وأكد المصدر أن
“الرتــل العسكري دخل إلى إدلب من معبر كفرلوسين، وهو يضم عشرات الآليات الثقيلة
واللوجستية” وكان يوم أمس يوم الأحد الماضي قد دخل رتل مشابه بالتزامن مع تحليق
مكثف للمسيرات التركية في سماء ريف إدلب”، والمعنى هو أن التعزيزات والدعم العسكري
التركي للقوات التركية المتواجدة في الشمال السوري لم يتوقف منذ توقيع اتفاق وقف
إطلاق النار .
إذاً فالأتراك يُدركون بعقليتهم كافة مخططات القوى العالمية
والإقلمية المتواطئة معها لسرقة ونهب ثورات الشعوب، وإخضاعها بالقوة تحت عصا الظلم
والاستبداد، وهُم مستعدين كامل الاستعداد لخوض حرب تحرير حقيقية لاستكمال حرب
التحرير التي حدثت عقب سقوط الدولة العثمانية منذ ما يقارب الـ100 عام. والروس لم
يعودوا كما كانوا أيام الاتحاد السوفيتي مهما حاولوا أن يستعيدوا هذا الدور.
وفي نفس الوقت يلفت النظر إلى أن قوى أخرى ستبرز وتسطع في هذا
القرن هي: اليابان وتركيا وبولندا والمكسيك، مع خفوت وذبول في قوة الاتحاد
الأوروبي، ومع بقاء القوة الأمريكية مهيمنة على العالم، وقد أخذ يعرض بالأرقام
تفوقها الهائل عن غيرها في سلم القوة.
قد يرى البعض أن تحليلي هذا درباً من دروب الخيال، وهو ليس
كذلك وإنما هو محاولة لقراءة الواقع كما هو، ولتأكيد على ما أؤمن به من رؤية أحيل
حضراتكم إلى كتاب “المائة عام القادمة” للمحلّل الأمريكي الشهير “جورج فريدمان”،
والذي صدر في العالم (صدر 2009م) والذي برغم شهرة صاحبه كمحلل استراتيجي – إلا أن
البعض يعتقد أنه ليس محلّلا بل مخططاً وموجِّهاً – للسياسة الأمريكية، فقد كان
مديراً لواحدة من أهم وأشهر المؤسسات العاملة في مجال المعلومات والاستخبارات وهي
مؤسسة ستراتفور (توقعات استراتيجية)..
وقد توقع الكاتب انهيار الروس ثم ذكر أن من بين القوى التي
ستستفيد من انهيارهم ثلاث قوى ذكر منها الأتراك وذكر وتوقع فريدمان أن روسيا
ستحاول توسيع قوتها مرة أخرى بحلول منتصف العقد الثاني (2010 – 2020) لكنها ستفشل
وستنكمش، وساعتها ستتمدد تركيا على حساب روسيا إلى حد التوغل العسكري في القوقاز
وستغلق على الروس الملاحة في مضيق البوسفور.
الآن ماذا عن:
– الأضرار التي لحقت بروسيا جراء انخفاض أسعار النفط والحرب
السعرية التي حدثت مؤخراً وأدت إلى تضرر الموازنة الروسية بشكل كبير؟
– الأضرار التي لحقت بروسيا جراء تفشي وباء كوورنا بصورة خطيرة
قد تجعل منها إيطاليا ثانية والتي ستمثل أيضاً ضغطاً على الموازنة الروسية
.
– تراجع الدعم المالي المُقدم من الحلفاء الإقليميين بالشرق
الأوسط الذين كانوا يدعمون الروس بالأموال مقابل التواجد الروسي الرسمي في سورية
وغير الرسمي في ليبيا من خلال شركة فاغنر الروسية والتي أشارت بعض التقارير بوجود
خلافات مالية تصل إلى 150 مليون دولار متأخرات لدى حفتر لم تدفع بعد، وربما
انسحابات قوات فاغنر الروسية من أماكن تمركزاتها في ليبيا يكون أحد أسبابه ذلك
الخلاف للضغط على حفتر لدفع ما عليه من مستحقات.
– سقوط هيبة السلاح الروسي في العالم مما يعني فقدان صفقات وعقود
بيع السلاح الروسي لصالح قوة وهيبة وتأثير وفاعلية السلاح التركي وقدرته على قلب
الموازين العسكرية كما في سورية وليبيا مما سيُزيد من حجم الطلب ويعزز المكانة الدولية
لتركيا كدولة موثوقة متطورة تكنولوجيا ويصب في صالح تحقيق أهداف 2023، أي أن ما
سيُخصم من حصة مبيعات السلاح الروسي قد يصب بصورة مباشرة في صالح مبيعات السلاح
التركي باعتبار الصراع الدائر بين أسلحة الطرفان في الميدان.
– التراجع في الملفات الدولية بالتأكيد ستنعكس على الشأن الداخلي
الروسي وربما ستتفاقم المُشكلات يوماً بعد يوم مع كبر عمر الرئيس الروسي – بوتين-
خلال الفترة القادمة ، وقد يتسبب ذلك في إضعاف يده فيشعر بتهديد وجودي من قوى
المعارضة فينصرف للشأن الداخلي على حساب الاهتمام بالشأن الخارجي.
ومن اللافت للاهتمام في ذات السياق هو التقرير الذي نشرته
مؤسسة “جيمس تاون” المعنية بتحليل السياسات الاستراتيجية للدول، إن أذربيجان نشرت
صواريخ “تايغر T-300” التي حصلت
عليها من تركيا في إقليم ناختشفان، قائلة بأن ذلك سيغير المعادلة العسكرية مع
أرمينيا العدو اللدود لأذربيجان، جدير بالذكر أن أرمينيا تتمتع بدعم روسي سياسي
واقتصادي وحتى عسكري بحسب تقارير عدة.
وقد ذكرت التقراير أن تلك الصواريخ ( TR-300 عيار 300 مم) بعيدة
المدى، من إنتاج شركة روكيتسان التركية، وتستعمل لضرب الأهداف البعيدة والعميقة.
وتطلق هذه الصواريخ من منظومة المدافع الصاروحية T-122/300 المتعددة السبطانات ومتعددة الأغراض أو من منصات الصواريخ
المتعددة السبطانات.
وتعتبر هذه الصواريخ من أهم الصواريخ المدفعية المستخدمة لضرب
الأهداف الحرجة وبقدرة قتالية عالية جدا، وذلك بسبب رأسها الحربي الفتّاك والمؤثر
بصورة فعالة لدائرة نصف قطرها 70 متر وبمدى يزيد عن 120 كم. بحسب ترك برس
إذاً فتركيا تعمل بذكاء استراتيجي كبير وتتواجد في المكان
الصحيح بالوقت الصحيح وبالقوة والقـــدر الصحيح الذي يُمكنها من تحقيق أهدافها
الاستراتيجية لأن تصبح قوة عالمية خلال العقدين القادمين بعد مرورها من بوابة 2023.
المصدر: ترك بوست
0 التعليقات:
إرسال تعليق