هــل قــدم الأمريكـــان نموذجــاً يتحــذى بــه للعلمانيــة الأمريكية المُتصالحة مع الـديــن؟
ولماذا لا يقتدي العلمانيين العرب من الحكام والنخب الحاكمة
بهذا النموذج المتصالح مع الدين؟
بقلم/ محمد صلاح الدين عبد ربه
لقد تابع العالم أمس الأربعاء 20 يناير 2021 تفاصيل الحدث الأمريكي الأبرز عالمياً وهو تنصيب الرئيس الأمريكي جوبايدين ليصبح الرئيس السادس والأربعين لأكبر ديمقراطية في العالم.
وبعد الوجبة الدينية الدسمة التي تناولها العالم خلال حفل تنصيب بايدين علينا أن نسأل : لماذا ترك العلمانيين العرب العلمانية المتصالحة مع الدين كالأمريكية والبريطانية والتركية "الحالية" أو حتى الروسية التي لا تُخفي تدينها واختاروا الفرنسية؟ المتخاصمة بل المتحاربة مع الدين والتدين خاصة الإسلامي تحديداً؟!!
والإجابة الأبرز والأعظم التي خطرت لي هنا هو قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون)الجاثية 23
لا أسوق هذه الآية الكريمة للتسويق لتلك العلمانيات ولا أقول بأن العلمانية خياراً إسلامياً بطبيعة الحال. فالعلمانية نتاج تجربة وموروث إنساني ثقافي متطور للحضارة الغربية ولها سيقات تاريخية من الإرهاب والتسلط والتكفير الديني بسبب هيمنة الكنيسة على الحياة الإنسانية العامة بكل مجالاتها من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى أدق تفاصيل الحياة الإنسانية للإنسان حتى لاحقته في الآخرة بـ (البيع والشراء) عندما باعت له الجنة فاشتراها في أسوأ عملية متاجرة بالدين والمقدس من أجل المال.
ولكني أسوق ذلك لأثبت أن المتطرفين من العلمانيين العرب اختاروا أشد أنواع العلمانية بغضاً وحرباً للدين كونهم يعبدون أنفسهم وشهواتهم وما يسمى بالحرية المطلقة (الإباحية) التي تُأله الإنسان ، مُتجاهلين مع سبق الإصرار والترصد أن الإسلام لا تنطبق عليه أي من السياقات التاريخية للمسيحية وكنيستها.
كما أنه "الإسلام" ليس مُنتجاً لتجربة بشرية، بل هو "دين إلهي" نــزل من لدن حكيم خبير "لإصلاح الدنيا بالدين"، ولكن رغبتهم "العلمانيين العرب" في عدم الالتزام بتعاليم الإسلام هو ما دفعهم لمعادة تعالميه سراً وإعلان الحرب على دعاته وحاملي لوائه علناً.
إن العلمانية كتجربة إنسانية (لها ما لها وعليها ما عليها) والإسلام (كدين إلهي من خصائصه الكمال) قال تعالى (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة 3
فالإسلام كدين لا يتعارض مع العلم ولا مع المدنية والتطور قال تعالى (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، وتبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المُفسدين) القصص 77
الإسلام هو الرسالة العهد الأخير من السماء للبشر، لذا فقد حمل في ذاته بذور النمو والنماء والتطور بما يصلح لكل زمان ومكان ويُصلح كل زمان ومكان بما يملكه من منظور كوني يقدم كل الإجابات التي يبحث عنها الإنسان روحياً ومادياً.
بما يحمله من مقاصد وقيم وتوجيهات وتشريعات تنظم العلاقة بين الإنسان وربه وبين الإنسان الكون وبين الإنسان والدولة والمجتمع بعلاقاته الإنسانية المُعقدة بين البشر مؤمنين وغير مؤمنين أو مسلمين ويهود ونصارى أو أي من أهل الأديان الأرضية الأخرى على أساس إنساني جوهره التكريم الإلهيى للإنسان.
مع احترام الاختلاف وحرية العقيــدة التي حرص الإسلام عليها مع نزول القرآن (لكم دينكم ولي دين)، (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (ما أنت عليهم بمُسيطر) فالإسلام يُريد مؤمنين صادقين لا يُريد منافقين، (لا إكراه في الدين) لأن الإكراه يصنع المنافق، ولا محاكم تفتيش في الإسلام كما فعلت الكنيسة أو تفعل العلمانية المتطرفة اليوم مع المؤمنين من المسلمين كما يحدث في فرنسا.
وحتى يُدرك المجتمع المُسلم جوهر الإسلام وقيمته ليس للمسلمين فحسب بل للإنسانية ، هل يُمكن أن يقبل العُقلاء من أبناء التيار العلماني ومن يدعون الليبرالية بعلمانية متصالحة مع الدين كالعلمانية الأمريكية أو البريطانية أو التركية أو حتى الروسية؟
علمانية تترك للإنسان حقه في أن يعيش وفق معتقادته الدينية بما في ذلك حقه في العبادة واختيار طريقة حياته وملابسه وطعامه وشرابه وفق تلك المعتقدات، دونما أن يخشى على نفسه وحريته من الاضطهاد باسم دعوى الأسلمة المزعومة التي تستخدمها الأنظمة العلمانية العربية المتطرفة كمظلة لمحاربة الديـن والمتدينين كما تفعل خالتهم فرنسا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق