أقُسم بالله العظيم
”أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على سلامة الوطن والنظام الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب، وأن أحترم الدستور والقانون”
للمرة الأولى في حياتي الإنسانية والوطنية أشعر بأنني من المعنيين بمثل هذا القسم العظيم، وأتعهد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً أن أحافظ مخلصاً على سلامة الوطن والنظام الجمهوري وأن أرعى مصالح الشعب وأن أحترم الدستور والقانون، فبعد أن شاهدنا وقائع انعقاد أول برلمان منتخب لمصر بعد ثورة 25 يناير تفجرت في نفوس العديد من المصريين الكثير من المشاعر الإيمانية والوطنية، حيث لم يعتاد المصريين على مشاهدة المجلس بلا رموزه السابقين الذين كانوا نجوماً له على مدار سنين طويلة استطاعوا من خلاله أن يوظفوا البرلمان المصري لصالح حزب الأغلبية وتوجهاته السياسية التي كانت تعبر عن الأقلية الحاكمة بسنّ التشريعات الدستورية والقانونية لتنمية مصالحهم الإقتصادية وتعزيز وتعظيم نفوذهم السياسي داخل الدولة في شتى مناحي الحياة، ثم انقلب السحر على الساحر وقامت ثورتنا المباركة لتقول للعالم في الداخل والخارج رسالة إيمانية مفادها قوله تعالى " قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٦﴾ أل عمران
ولم ينغص ذلك المشهد المهيب سوى بعض الملاحظات السلبية التي ستختفي مع مرور الوقت من خلال الإحتكاك بين نواب الشعب على اختلاف منطلقاتهم الفكرية والإيديولويجية، ولعل الموقف الأبرز هو موقف تحريف القسم والذي بدأه بعض السلفيون ثم نهجه بعض الليبراليون، حيث أضاف بعض النواب السلفيون ”بما لا يخالف شرع االله" وأضاف نواب ليبراليون إلى القسم ”حماية أهداف الثورة والوفاء لدم الشهداء” وعندها تم قطع الصوت الخاص بالنائب لحماية تقاليد المؤسسة التشريعية من التحريف والتشويه.
إن ما حدث بالأمس في مجلس الشعب أثناء قسم أعضاءه من بعض أعضاء التيار السلفي يدل على مدى غياب المرونة السياسية والدبلوماسية، والأخطر غياب المرونة الفقهية النبوية التي جسدها النبي صلى االله عليه وسلم في صلح الحديبية عندما كان النبي يملي على علي ما يكتب فقال له: اكتب بسم االله الرحمن الرحيم .. فقال سهيل ومن هو الرحمن الرحيم ... نحن لا نعرفه .. بل اكتب ما تعودناه : بسمك اللهم .. فقال النبي : امح يا علي واكتب باسمك اللهم .. ثم أكمل الرسول فقال اكتب يا علي: هذا ما عاهد عليه محمد رسول االله .. فاعترض سهيل هنا وقال: لو كنا نؤمن أنك رسول االله ما كنا ها هنا .. فقال النبي: امح يا علي .. فقال علي واالله لا أمحوها أبداً .. فقال النبي دلّني عليها يا علي أمحوها أنا .. فمحاها النبي صلى االله عليه وسلم .. ولقد حرص النبي صلى االله عليه وسلم على التوافق مع المشركين، فلما لا يتوافق بعض السلفيين اليوم مع شعبهم خاصة وأن القسم يأتي تحت مظلة المادة الثانية من الدستور !!
وقد يقول قائل إن هذا القيام والإسقاط في غير محله كون أعضاء المجلس ليسوا مشركين، وهم بالطبع ليسوا كذلك، ولكن الإسقاط هنا يقوي المعنى ويوضحه، فإذا كان الأعضاء هم من الجماعة الوطنية المصرية فالواجب معهم اتباع سياسة أفضل وأكثر مرونة وليونة للوصول للعملية التوافقية لصالح الوطن وحماية الثورة، وحتى لا نفتح الباب أمام كل الآراء والإجتهادات التي ربما تطيح بتقاليدنا السياسية العريقة، ليس كمجلس فحسب بل وكدولة تعد من أعرق دول العالم نظاماً وحضارة.
لا أملك قلوب الناس حتى أحكم على مافيها ولكن المسألة بهذه الصورة مع الإصرار قد تدخل في نظام خالف تعرف. أعان الله مصر وشعبها على هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الوطن ، والله أسأل أن يوفق جميع نواب الشعب لتحقيق أهداف الثورة وممارسة الرقابة التشريعية والقانونية وخدمة أبناء الوطن وتعزيز الديمقراطية وتحقيق المساءلة وإعمال دولة القانون وحماية الأقليات وتحقيق العدالة الإجتماعية ورعاية أبناء وأسر الشهداء وجرحى ومصابي الثورة حتى نثبت للعالم أجمع أن مصر وفية لأبنائها أحياء وأموات.
كذلك إستعادة حقوق وكرامة الشعب المصري العظيم في الداخل والخارج وبناء الدولة المصرية الحديثة التي تساهم في تحقيق الأمن والسلم العالمي .. اللهم أمين وكل برلمان وأنتم بخير.
0 التعليقات:
إرسال تعليق