إلى رحمة الله.. يا صديقي الحبيب
بقلم / محمد صلاح الدين
تمر السنون عبر السنون والأيام عبر الأيام ..ساعات ولحظات ويبقى الإنسان هو الإنسان بما يحمل من وعي وإدراك لمعنى الحياة علامة على ذات الحياة، ولعل من الغريب ألا يدرك ذلك الإنسان قيمة لحظات الحياة ، إلا عندما يتأخر على موعد كان قد أخذه قبل عدة أيام للإجتماع مع شخصية هامة، أو عندما يفوته موعد لقطار أو الطائرة كان قد حجزها للإنتقال من مكان إلى مكان لأنه لم يحسب لذلك الوقت الحساب أو إنشغل بما قد طرأ عليه من أشغال.
ولعلّ هذا ما حدث معي خلال الأسبوعين الماضيين حينما خسرت خسارة لا يعلم قدرها وعظمها إلا االله، فلقد علمت قبل فترة بأن أحد زملائي الكرام والذي التقيته قبل عشر سنوات وعملنا معاً لمدة أربع سنوات تقريباً ثم حالت بيننا الشهور والأيام ثم علمت بشكل مفاجئ بأنه يرقد في المستشفى وهو يطلب زيارتي له من خلال رسالة نصية مفادها " أنا في المستشفى في الجناح الأول الغرفة الأولى " فاتصلت به ، ورد علي شخصياً بصوت خافت يحمل بين نبراته فرحة الإشتياق، فقلت له "سلامات عسى ماشر طمني عليك"فقال "بس نفسي أشوفك" فقلت له "والله واجب وسآتي إليك فوراً إن شاء االله "وبالفعل اصطحبت إبني الكبير وتوجهت لزيارته بالمستشفى ومكثت معه لفترة تبادلنا فيها أطراف الحديث وذكرني بما كان بيننا من ود وحب والرحلة المباركة التي جمعتني وإياه لأداء مناسك العمرة في البقاع المقدسة وبخاصة في مدينة النبي "صلى االله عليه وسلم "وبهدية بسيطة سجادة صلاة كنت قد اشتريتها له، فأخبرني بأنه لازال يصلى عليها منذ ذلك الحين حتى يشركني في ثواب صلاته، وبأنه قد طلب من أهله أن يصلوا عليها حتى بعد أن بدأت تظهر عليها علامات الإهتراء نتيجة كثرة الإستخدام، ففرحت ودموعي تتساقط من عيني نتيجة اختلاط مشاعري في تلك اللحظة الإنسانية الغالية مابين تأثري لما فيه صديقي العزيز وما بين فرحتي بكرمه المتجسد في وفائه لي وحبه الصادق رغم أننا لم نلتقي منذ سنين في لمحة إنسانية تدل على أنه من معدن فريد عز أن يكون لمثله نظير.
ثم تجاذبنا أطراف الحديث وكنت أحاول أن أصبره على مانزل به من بلاء وابتلاء وهو لازال في ريعان الشباب، فوجدته يثني على الله بأفضل ثناء ويحمده ويشكره ويستغفره ويقول "أنه يحبني لهذا يختبرني" ويقول "يارب سامحني على غفلتي التي كنت فيها ولو للحظات لأنك أنت الكبير العظيم، إبتليت عبدك لتعيده إليك، والله يارب إني راضٍ عنك فاللهم ارضَ عني، ولازال يكررها وهو يبكي وأنا أبكي معه وقد شعرت أن الغرفة قد فاض منها الصبر وغزر الإيمان بهذا الإنسان المؤمن الصابر المحتسب لمرضه عند االله، ثم ذكرني االله تعالى بحديث عن النبي أن أبا سعيد الخدري دخل على رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم - وهو موعوك ، عليه قطيفة ، فوضع يده عليها فوجد حرارتها فوق القطيفة، فقال أبو سعيد :ما أشد حر حماك يا رسول االله؟ فقال رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم" : إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر " ثم قال: يا رسول االله من أشد الناس بلاء ً؟ قال: " الأنبياء " قال : ثم من؟ قال: " العلماء " قال : ثم من؟ قال : " ثم الصالحون كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ويبتلى بالقمل حتى تقتله، ولأحدهم كان أشد فرحا ًبالبلاء من أحدكم بالعطاء، ففرح وتهلل وجهه ثم ذكرت له معنىً كنت قد تعلمته وهو .. أن في الجنة منازل لا ينالها العبد بكثرة صلاة أو صيام، ولكن يعطيها االله لمن صبر على البلاء، "نسأله سبحانه العفو والعافية وحسن الخاتمة" فتبسم ابتسامة الصابرين وذرفت دموعه بقطرات المؤمنين وهو يتألم ويقول "اللهم إني راضٍ عنك فارضَ عني.. وبعد فترة سألته إن كان بحاجة لشيء أقوم به له، وطلبت منه عدم التردد في الطلب، ولكنني كعهدي به عفيف النفس واللسان فلم يطلب مني شيء، ثم اتصلت به للإطمئنان عليه بعد يومين وكان على نفس الحال من الثبات الإيماني الرائع.
ثم انشغلت ببعض أمور الدنيا منذ الصباح الباكر وحتى المساء متأخراً حيث كنت أعود للمنزل وأشعر بالإرهاق والإنهاك الشديد وقد طلبت من زوجتي أن تذكرني بزيارة أخي "علي" حتى لا أنسى في زحمة الأعمال، وبالفعل ذكرتني مرة بعد مرة إلى أن فاجئتني اليوم صباحاً بعد أن ألحت على الإتصال بي وكنت في وسط اجتماع هام، وبعد أن قامت بالإتصال أكثر من ثلاث مرات متتالية أدركت أن الأمر قد يكون هاماً ولا يحتمل التأجيل فاستأذنت وتحدثت معها فقالت لي: " إنا لله وإنا إليه راجعون" لقد توفي صديقك "على قرقور"، فاقشعر جسدي واسترجع لساني وشعرت بالخزي من نفسي وتملكني الحزن والندم على فوات فرصة زيارة صديقي أكثر من مرة خلال الأيام الأخيرة من حياته، ثم تذكرت أنني رأيته اليوم صباحاً قبل صلاة الصبح في المنام حيث كنت قد عزمت على زيارته اليوم، ولكني والله ثم والله رأيت أنني في المستشفى أزوره وكانت في مخيلتي صورته في مرضه، ففوجئت بأنه يرتدي بدلة كأحسن ما تكون هيئته وكأنه في عرس، وقد رأيت في وجهه البشر والسرور والسعادة، فسلمت عليه وسلم علي مبتسماً ووجهه كوجه القمر ، ثم أيقظتني زوجتي للصلاة فقمت وآخر ما أذكره من المنام هو وجهه الطيب الذي سأفتقده بعد اليوم، ولكني لن أفتقد ذكراه الطيبة وما شاهدت منه من صبر على البلاء.
وقد إتصلت زوجتي بزوجته للإطمئنان عليها وتعزيتها وتفقد أحوالها فما كان إلا أن أبلغتي ببشارتين الأولى صبرها وثباتها وتسليمها الكامل بقضاء الله وقدره فحمدت الله تعالى ، والبشارة الثانية هي رؤية رآها زوجها يرحمه الله بالأمس ليلاً حيث قال لها عندما أيقظته بأنه كان يطوف حول الكعبة ويقبل الحجر الأسود ففرحت بحسن خاتمة زوجها الذي قد نعى نفسه لها ليطمأنها بهذه الرؤيا المباركة.
رحمك الله يا أخي الحبيب وتغمدك سبحانه في رحمته وأسكنك فسيح جناته، اللهم أجعله من ورثة جنة النعيم مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، واختم لنا بالحسنى أجمعين، وألحقنا به على خير يارب العالمين، وارزق أهله الصبر والسلوان، وبارك فيهم ويسر لهم واسترهم في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا مصطفى لمحزونون ولا نقول إلا مايرضي ربنا "إنا لله وإنا إليه راجعون" اللهم ارحم أخي "أبو مصطفى" وتغمده في رحمتك وأسكنه فسيح جناتك واجعله من ورثة جنة النعيم مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، واختم لنا بالحسنى أجمعين وألحقنا به على خير يارب العالمين، وارزق أهله الصبر والسلوان وبارك فيهم ويسر لهم واسترهم في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين.
4 التعليقات:
sad story and exciting.
good text.
I invite you to visit my blog and know the landscape of my region
big hug from Brazil
كما عهدتك أبا الوليد تخاطب القلوب بمشاعرك الرقراقة
ان لم يخرج المرء من الدنيابغير الوفاء ....يكفيه
رحم الله صاحبك علي وغفر لنا وله وألحقنا به على خير ورزقنا وإياكم حسن الخاتمة
انا لله وانا اليه راجعون
محمد المرسي
انا لله وانا اليه راجعون
إرسال تعليق