رحلة
تحليلية على ضفاف الأفكار الأسوانية
حواراً حول مقال الأديب العالمي علاء الأسواني
: إلى أين سيأخذنا الرئيس؟!!
: إلى أين سيأخذنا الرئيس؟!!
بقلم / محمد صلاح
الدين
كاتب ومدون مصري مغترب
بداية أحمد الله تعالى أننا ليس لدينا تقديس لأحد في الإسلام سوى للمعصومين من
الأنبياء عملاً بمبدأ " كل يأخذ منه ويرد إلا المعصوم صل الله عليه وسلم
" لا عصمة لرئيس ولا لرمز أو لرجل دين أو دعوة الكل سواء في الأخذ استحساناً والرد
استغراباً "رفضاً أو تصويباً " وإن لم يكن الأمر كذلك فحدثوني بربكم كيف
لمثلي أن يرد على كاتب وأديب ورمز وطني كبير مثل الأستاذ علاء الأسواني؟!! وهو من
هو في الوطنية والتاريخ المصري الثوري المشرف.
وبناءً عليه على رأي " د. الكتاتتني " اسمح لنفسي
أن أعلق وأناقش ماذكره المقال الأخير للأستاذ " أسواني " والذي كتبه بتاريخ 24/09/2012 الموافق الأثنين تحت عنوان إلى أين يأخذنا الرئيس؟!
وقبل الشروع في التعليق والمناقشة أود
أن أوضح للقارئ الكريم مدى تقديري وأعزازي للكاتب وإحساسي بصدق مشاعره الوطنية رغم
اختلافي الفكري معه وخاصة أثناء فترة الانتخابات الرئاسية والتي اختار فيها
المقاطعة بل دعى إليها بكل ما أتي من قوة إلا أن جموع الملايين من المصريين "
المؤيدين والمعارضين " لمرسي كانوا قد حزموا أمرهم بالمشاركة وأتت نسب
القاطعة ضئيلة للغاية وهنا أود أن أؤكد لكاتبنا الكبير بأن الرؤية التي بنى عليها
رأيه في مسألة المقاطعة، " والتي نبهنا في وقتها أنها تصب في صالح شفيق مرشح
النظام السابق " لأنها تفت في عضدد قوى الثورة وليس قوى النظام السابق.
ومع ذلك فسأستند لتك الرؤية في تحليلي للجو العام لمعظم كتابات الكاتب الكبير
وبما أنني قد شاهد حلقة " على مسئوليتي" بقناة الجزيرة مباشر مصر والتي دعى فيها لتلك
المقاطعة استناداً لأسباب عدة كان في مجملها أن الانتخابات لعبة هزلية من إعداد
وإخراج المجلس العسكري وأن كل من يشارك فيها يعطي مشروعية لتلك اللعبة وقد خصص حديثه
عن الإخوان بنصيب وافر ثم أضاف على هذه الرؤية وبخيال الكاتب وجود صفقة ما بين "
الإخوان والعسكر" في حينها ثم نسج مشهداً لمبارة ينافس فيها المجلس العسكري ليكسب
بينما هو الحكم في ذات الوقت ثم تخيل أيضاً بأن المجلس العسكري سيفوز في النهاية
وقد ثبت بالواقع والبينة والدليل كذب تلك الرؤية وأنها محض خيالات وأوهام إلا أنها
قد تصلح لرواية درامية أكثر منها واقعية سياسية.
وهذا هو الفارق بين من لديه من القوة والعمق والتنظيم والقدرة على التعامل مع
معطيات الواقع قراءة وتحليلاً بصورة صحيحة ثم يقوم باتخاذ القرار بناءً على تلك المعطيات
التي يستقيها من الملعب السياسي بعيداً عن الرومانسية أو الدرامة السياسية التي
تستند على رؤى وخيالات رومانسية أو سوداوية النظرة قد يشوبها عوار الحزبية والاختلاف
الفكري أو الأيديولوجي ولعل هذا هو ما يعجل الشعب المصري ينصرف عن الكثير من
الرموز الوطنية والنخب السياسية لكثير من التيارات التي تشارك في العمل السياسي
لأن الشعب يحتاج إلى من يلتحم معه ويثق في قدرته على التعامل مع الواقع بقراءة
صحيحة وحسابات دقيقة وما إعلان نتيجة الانتخابات من حملة الرئيس قبل إنتهاء
التصويت إلا دليلاً دامغاً على صدق التحليل السابق.
واستناداً لما سبق دعونا نستكمل مناقشة الأفكار الرئيسية التي ذكرها الكاتب في
هذا المقال الهام " اختلافاً أواتفاقاً " مؤكداً على أنني سأحاول أن
أكون موضوعياً ومنصفاً إلى حد ما بعيداً عن الاختلاف الذي تحدثت عنه مع الكاتب وللقارئ
الكريم الحق الكامل في الحكم على ما سيتم تناوله قبولاً أو رداً لهذا الإنصاف الذي
أدعيه ولنبدأ مارثون الرد مع أفكار الكاتب الكبير الأستاذ أسواني.
إن مسألة تبرير وتفسير بعض التوجهات أو حتى بعض الأخطاء وقع
فيها النظام الجديد بعد مرور ثلاثة أشهر على تولي الرئيس للمسئولية وتحميله
مسئولية تلك الأخطاء التي هي مظاهر استبداد دام لعقود طويلة بصورة كاملة كما جاء
في المقال ربما يحتاج إلى مراجعة منصفة من الكاتب إذا لا يمكن لأحد كائناً من كان
أن ينتقل من مرحلة انتقالية مليئة بالدكتاتورية والاستبداد إلى الديمقراطية والحرية
والعدالة الاجتماعية في ظل غياب الثروات البشرية والمادية والفكرية التي تؤمن بقيم
وفكر الثورة في معظم أجهزة الدولة، وما تسلط النظام السابق على العديد من مفاصل
الدولة التي بدأت تتحرر تحت وقع ضربات الثورة المصرية إلا دليل على ذلك أيضاً وقد
لمس المصريين ذلك في ضربة 12 و18 أغسطس2012 وما تلاها من ضربات لتعطي ملامح حقيقة
عن إرادة سياسية ثورية في تطهير البلاد من رموز الفساد التي جثمت على صدورنا
لفترات طويلة ولكن في إطار عملية مدروسة حتى لا تتأثر بنية الدولة بصورة مباشرة.
إذاً فماذا عن
الأخطاء التي وقعت وارتكبت ؟ أو يمكن أن ترتكب من بعض المسئولين في تلك الفترة !!
وفي إطار الرؤية الديمقراطية للدولة التي نريد بناءها فإن
المسئولية السياسية تقع على عاتق الرئيس بصفته ولكن في إطار المسئولية القانونية
فإن الرئيس لا يمكن أن يسأل عن أي أخطاء أو إنتهاكات إلا في حالة ثوبت منهجه لتلك
الحالات " على غرار النظام السوري " والمهدد بالإحالة للجنائية الدولية
، أما أن تكون هناك بعض الحالات الفردية كتعدي من ضابط أو مسئول على مواطن من
مواطنينا الشرفاء فهذا حدث ويحدث في أعتى الديمقراطيات كأمريكا وأوروبا فما بالنا
ونحن في الخطوات الأولى للديمقراطية أعتقد بأننا نحتاج إلى نظرة أكثر عمقاً
وتحليلاً بعيد عن العاطفية والرومانسية السياسية المفرطة.
ولكن ماذا عن المواطن الذي تم التعدي عليه؟
وهنا نحتاج إلى تفعيل الوعي وتشجيع المواطنين على اللجوء
للقضاء واتخاذ السبل عبر القنوات القانونية لأخذ تلك الحقوق ومعاقبة مرتكبي
الانتهاكات كما يجب على الدولة بأن تكفل وترعى وتحافظ على سبل التقاضي القانونية
ولو في حق الرئيس ومن حوله من المسئولين لحماية حقوق المواطنين من الانتهاك المادي
أوالمعنوي. أما في حال عدم توفير الدولة لتلك المنظومة التي أشرت إليها فعندها تقع
المسئولية على القيادة السياسية والتنفيذية جميعها.
ووفق قراءة واقعية نجد أن الرئيس قد استعان باثنين من
أساطين القانون من آل " مكي " المُنتمين لحركة استقلال القضاء لقيادة
البلاد في العدل لتطهير القضاء وتحقيق استقلاله عن تبعية الدولة بمايضمن حماية
الدولة والمواطنين عبر استعانته بالوزير المستشار " أحمد مكي " وفي
الحكم عبر أول نائب لرئيس مصري منذ أكثر من 30 سنة المستشار " محمود مكي
" وهذه الأساطين والقامات الكبيرة التي وقفت ضد الظلم وضد النظام السابق في
أوج قوته لتقول له " لا " وما استعانة الرئيس بهم إلا دليلاً دامغاً على
رغبة الرئيس بوجود شخصيات قوية لا تخشى في الله لومة لائم تقول الحق للحق وترده إن
تجاوزه.
أما ما ذكره
الأسواني عن مسألة القمع الوحشي الذي لا زالت تمارسه وزارة الداخلية ضد المصريين..
فهذا أمر يجب أن يتم تحريره في إطار المنهجية السابقة، فإذا وجدنا تكرار للممارسات
بصورة ممنهجة فيمكن عندها اتهام ومحاسبة الوزارة وقيادتها بل والحكومة ورئيسها
والرئيس نفسه وإسقاط الجميع، إذ لم يعد مقبولاً بعد الثورة أن يُسمح بتلك الممارسات
سواء فردية أو جماعية ممهنجة أو غير ممنهجة، ولكن أن تكون هذه الحالات الفردية من
بعض الفاسدين الضباط أو رجال الأمن الكارهين للثورة والناقمين عليها ثم نأخذ تلك الحالات لنعممها ونسوقها بهذه الصورة في
المجتمع على أنها الأساس في العلاقة بين الشرطة وبين المجتمع فهذا أمر غير دقيق
وغير موضوعي خاصة في ظل ما تقوم به الوزارة من حملات أمنية قوية لاستعادة الأمن
والقبض على البلطجية في أماكن لم تصل إليها سلطة القانون منذ أكثر من 30 سنة
كبحيرة المنزلة وغيرها خاصة مع بدأ استشهاد بعض الضباط ورجال الأمن في تلك الحملات
الأمنية في إطار صدق الوزارة والدولة لاستعادة الأمن للشعب المصري.
أعتقد بأنه ربما بل يجب أن نتعامل مع تلك الانتهاكات
الفردية ونتعاطى معها بصورة عملية من خلال ثلاثة أمور:
الأول : وهو مطالبة
القوى السياسية وليكن " حزب الدستور الذي تنتمي إليه سيادكم " لطب تحقيق
عاجل من الحكومة وتقديم بيان حول تلك الحوادث إلى حين عودة مجلس الشعب المنتخب
ولعل هذا يخرجنا من دائرة الدراما السياسية إلى دائرة الواقعية السياسية التي نريدها
من كل القوى الليبرالية وغيرها لصالح مصر.
ثانياً : عبر استخدام
حق التظاهر والاعتصام السلمي ضد مرتكبي هذه الأحداث والتنديد بهم لتكون فضيحة لهم
أمام المتجمع وهذا يحتاج إلى دعم القوى الوطنية والمجتمعية ومساندة جمعيات حقوق
الإنسان الوطنية لتلك الحالات.
ثالثاً : تشجيع هؤلاء المواطنين على تقديم بلاغات قانونية عبر
الدوائر القانونية أو ديوان المظالم التابع لرئيس الجمهورية مباشرة لتصل إليه
المظلمة دون وسيط وبهذا نكون أكثر عملية وحرصاً على حرية وكرامة المصريين في إطار
تفعيل دولة القانون. ولعل حزب الدستور الذي ينتمي إليه الكاتب وغير من الأحزاب يمكن
أن يساهموا بفاعلية وبصورة عملية لدعم تلك التظلمات. ولا أنسى أن هنا أن أسجل
إدانتي الكاملة والقوية لأي انتهاكات لأي مصري في الداخل أو الخارج لأن مسئولية
الدولة هي حماية وصيانة كرامة المصريين.
إن التحقيق مع الضابط المتجاوزين وأخذ الحق منهم في إطار
القانون أمراً أساسياً لإعلاً قيمة دولة القانون التي تحترم مواطنيها وحقوقهم، أما
في حال تكرار تلك الوقائع بصورة ممنهجة فتتحمل الحكومة والسيد وزير الداخلية
مباشرة من الناحية المهنية والقانونية والأخلاقية وهنا أتفق مع كاتبنا الأسواني
بأن الرئيس هو من يتحمل المسئولية السياسية عن التأخر في تطهير وزارة الداخلية إلى
وقتنا هذا بهذه الصورة ربما نكون أقرب للواقعية الوطنية.
أما الصورة الذي
طرح بها أستاذنا الأسواني الأمر فتفسيري له أنه يأتي في إطار الدراما الوطنية التي
ربما لا تصلح أو تصح في ممارسة العمل السياسي ولكن ربما تكون في موضوعها في العمل
الروائي، أما مسألة كرامة المصريين في الخارج " وأنا منهم " فهذا أمر يهمني ولا أتحدث وأنا أعيش في داخل مصر
بل خارجها وربما أكون اليوم في دولة وغداً في دولة أخرى إذاً فمسألة الكرامة لا
مزايدة عليها ولا فصال عليها .
ورغم ذلك فمسألة
المصريين في السجون السعودية هي مسألة لها شقان شق سياسي وأخر قانوني.
لذا اهتم الرئيس من الناحية السياسية بتحسين العلاقات مع
المملكة بعد الثورة وخاصة بعد الأزمة الدبلوماسية التي كادت أن تتفاقم بين
الدولتين في أواخر عهد العسكر فكان من مقتضيات السياسة طمأنة المملكة بعدم تصدير
مصر للثورة وعدم رغبتها في زعزعة استقرار المنطقة أو التدخل في الشئون الداخلية
وهذا أمر ينعكس على جميع القضايا والملفات بين الدولتين العربيتين.
أما من الناحية القانونية فقد كلف الرئيس سيادة نائب الرئيس
المستشار محمود مكي الذي نثق به جميعاً بمتابعة ملف المعتقلين في السجون السعودية
لبحث ومراجعة تلك الحالات بصورة دقيقة وحث المملكة على التعاون مع مصر لإنهاء هذه
المسألة بالسبل القانونية مع المحافظة على العلاقات بما يخدم مصلحة الطرفين بعيداً
عن العنتريات التي ربما تفقدنا القوة في إدارة هذا الملف الأمني وبما لا يؤثر على ملف
العمالة المصرية بالمملكة.
وفي إطار ذلك لايجب أن ننسى أن هؤلاء المعتقلين هم أحد أبرز
ميراث الظلم السابق وأن العدل لن يتحقق بمجرد وجود مرسي في الحكم لثلاثة أشهر لأنه
بشر وله قدرات بشرية تعمل وتتفاعل في إطار قوانين محلية ودولية.
واختم هذا المقال بمناقشة حالة الإسلاموفوبيا التي تظهر
جلياً لدى الكاتب الكبير عبر تكراره لألفاظ من قبيل " إسقاط الإخوان " ودعوته
للتصدي لهم أو مجابهتهم من القوى والأحزاب الوطنية الأخرى بل ومن الشعب المصري في
ثنايا كلماته خوفاً من أفكارهم ومبادئهم التي لا يؤمن كاتبنا الكبير بها.رغم أنها
تلقى انتشاراً ورواجاً كبيراً بين أوساط وجموع الملايين من أبناء الشعب المصري في
كل المستويات. لذا أطرح على أديبنا الكبير تغير لغة الخطاب من الدعوة لإسقاط
الإخوان إلى تبني حلولاً سياسية توافقية لصالح مصر مع الإخوان مثل :
-
إبرام تحالف سياسي بأرضية وطنية
-
تحقيق تكامل سياسي عبر حوار فكري يتنازل كل طرف للأخر، فإن
لم يكن ذاك ولا تلك
-
فأدعوك لمنافستهم بقوة وبشراسة وبشرف وصورة عملية لخدمة
الشعب المصري الذي يختار الإخوان لا من خلال المقالات واللقاءات التلفزيونية فحسب.
إن إسقاط شعار " إسقاط الإخوان " من الأجندة
الأسوانية والليبرالية يعني بأنكم ستكون على بداية الطريق نحو النضج السياسي وأخذ
الثقة في النفس مع امتلاك أدوات وأسباب المنافسة الحقيقة للإخوان وإلا فإن استمرار
الدعوة لإسقاط الإخوان بهذه الصورة الفجة دون تقديم بديل أو مشروع وطني حقيقي
لنهضة البلاد ما هو إلا دعوى للفوضى وإسقاط الدولة المصرية فالإخوان على أخطائهم
أفضل من الفوضى مع علمي بأن هناك من يدعو للفوضى وإسقاط الدولة ولا يحكم الإخوان.
إن المنافسة
الوطنية الحزبية لخدمة الشعب المصري ورعاية مصالحه تأتي عبر النزول إلى الشارع وإشعار
المواطن بوجود نشاط سياسي واجتماعي واقتصادي ورياضي وصحي وتربوي وتعليمي تنموي
حقيقي على الأرض. وإلى لقاء في الجزء الأخر لاستكمال رحلتي في مناقشة بعض من أفكار
أستاذنا الأسواني.