لا للتوحد السياسي ..ونعم للاتحاد الوطني !!
بقلم/ محمد صلاح الدين
|
إلى كل القوى الوطنية المصرية ..اتحدوا يرحمنا ويرحكم الله
وإلا فاذهبوا إلى غيابات التاريخ غير مأسوف عليكم وستبقى مصر عزيزة بغيركم. |
لقد لفت انتباهي مؤخراً دعوة
العديد من القوى والرموز الوطنية المصرية إلى " التوحد " لتحقيق أهداف
الثورة في مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وذلك لما وصلت إليه الحالة
الثورية الوطنية ، فمصر وثورتها المجيدة على وشك مواجهة تحدي وجودي يتجاوز الخلافات الأيديولوجية والفكرية والطائفية
بين مكونات المجتمع المصري ليصل إلى تهدد الأمن القومي المصري وصولاً لاختطاف الثورة على أيدي رموز
النظام السابق وقيادات الثورة المضادة الذين استطاع أن يقودوا البلاد لحافة
الهاوية بنجاح تام حتى لا يحاكموا على إفسادهم للحياة بكل مكوناتها "السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والصحية والعلمية والعسكرية وغيرها مما تبقى من الحياة
الإنسانية في مصر لا أعرف لماذ ا ربط بين هذه الدعوى الوطنية التي يقصد فيها لم الشمل وبين مرض التوحد ثم تأملت قليلاً وراجعت معلوماتي عن مرض التوحد ووجدت تشابه كبير بين الحالة وبين المرض فهل الدعوى جاءات في محلها دعونا ننظر لنتعرف على الفكرة من خلال الإجابة على السؤال التالي :
ما هو" التوحد " الذي يدعوا إليه بعض القوى والعناصر
الوطنية ؟
إن التوحد في المعني والمبنى هو مرض خطير يعيق نمو الإنسان ويؤثر على طريقة
اتصاله وحديثه بمن حوله من المجتمع الأمر الذي يؤدي إلى إنعزاله عن جميع مكوناته
المجتمع مما يؤثر على تكوينهم للصدقات نتيجة لعدم قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم
بصورة رشيدة، بل وربما يصاب مريض التوحد بإعاقة في التعلم وصعوبة في فهم مواقف
ومعاني في الأمور الحياتية ، بل ويعتبر البعض أن مصاب التوحد شخصية مُحيرة إلى حد
ما نتيجة لعدة أمور من أهمها الحالة الانطوائية التي يقبع فيها مريض التوحد.
وملخص ما سبق هو : أن مريض التوحد مصاب بإعاقة ثلاثية هي :
1.
صعوبة التفاعل الاجتماعي
وبالتالي صعوبة تكوين الصدقات.
2.
صعوبة الإتصال الشفهي وغير
الشفهي وبالتالي التعبير عن الأفكار بصورة ملائمة.
3.
صعوبة تنمية الخيال واللعب الجماعي
مع الأخرين وبالتالي ضعف الإبداع واختفاء روح الفريق.
ومن أخطرما في هذا المرض هو الصعوبة البالغة في تغير نمط السلوك والارتقاء
به من مستوى لأخر نتيجة لصعوبة تغير الروتين اليومي للمريض.
ولعل هذا هو ما أصاب بعض القوى الوطنية المصرية حيث لاحظنا صعوبة التفاعل
والتواصل السياسي بين البعض من القوى الوطنية، كما نلحظ صعوبة الاتصال الشفهي وغير
الشفهي بين تلك القوى بحيث يتحدث كل من تلك القوى من منظور يلغي الأخر أحياناً
ويتهمه بالخيانة أو الكفر أحياناً مما يعيق عملية الاتصال بالكلية، أما الجانب
الأخير وهو صعوبة تنمية الخيال واللعب الجماعي فإننا نرى أن الخيال ربما يكون
متوفر ولكنه خيال فردي وإن كان جمعي لكل من ينتمي لبيئة الشخصية التوحدية حيث يصور
خيال كل فصيل من هذه الفصائل المستقبل والحالة التي يريد أن يكون عليها المجتمع
التوحدي.
إذاً فما الحل لعلاج مرض التوحد الوطني؟
إن الحل هو الاتحاد ولكن دعونا نرى ما هو مفهوم ومعنى كلمة الاتحاد في
اللغة
إتحاد: هو مصدر لكلمة إتحد كما يقال إن " فيِ اتِّحادِكُمْ قُوَّةٌ
" : أو أن فِي اجْتِمَاعِكُمْ لِهَدَفٍ وَاحِدٍ وَغايَةٍ مُوَحَّدَةٍ قوة.
وكما يقال بأنه كان في اتحاد آرائهم بداية لمرحلة
جديدة أي لاتفاقهم
ولعل هذا ما يأخذنا لمفهوم الاتحاد الوطني :
الذي يعني إتحاد القوى الوطنية من خلال إجماعها على برنامج واحد وهدف واحد لتحقيق
غاية سامية محددة.
إن التوحد يعني أن نكون مصطفين في مكان وحد
ولكن ينطبق علينا قوله تعالى (...تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ،ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴿
الحشر١٤﴾ تماماً
كما حدث في العديد من الجمع المليونية التي اجتماعت فيها القوى الوطنية الثورية
وراح كل منها يطلق شعارات تعبر عن الأيديولوجية أو الموقف السياسي الذي يتبناه
ويعبر عنه، على خلاف ما حدث في الـ 18 يوم اللاحقة بعد الخامس والعشرين من يناير
2011 عندما اتحدت العقول والقلوب وتلاحمت الأروح قبل الأجساد على قلب رجل واحد
لإسقاط الظلم والطغيان حتى يكاد يصدق فينا قوله تعالى (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴿
الصف٤﴾.
أيها المصريون : إننا لا يمكن لنا أن نتصور
وجود الوحدة المنشودة في ظل استمرار حالة الاحتقان والاستقطاب والتخطئ والملامة
المتبادلة والنفور والإنغلاق لقتل الحوار بين جميع الأطراف لأن كل طرف يدعي لنفسه
امتلاك الحقيقة والحق المطلق في كل المواقف السياسية ويحكر على الأخر أن يكون له
تقديرات مغايرة في مواقف فاصلة حتى تاه الشعب المصري بين التكفير والتخوين فتارة
فصيل يكفر من يقول بكذا وتاره فريق يتهم الأخر بعقد الصفقات واستغلال الدين لتحقيق
المكاسب وكلا الطرفين عندي سواء فمن يستخدم الدين ليكفر الأخر دون التماس الاعذار
ومحاولة تفهم المواقف وبين من يخون ويستخدم الوطنية لتخوين الأخرين ودعم ما يمكن
أن نطلق عليه دكتاتورية الأقلية لرفض كل ما يطرح الأخر على طول الخط وعرضه إن كلا
الموقفين عندي يعتبر لون من ألوان المراهقة السياسية لجميع القوى الوطنية المصرية
وكما لمرحلة المراهقة الإنسانية من مخاطر تكتنف الشباب عند المرور بها فإن
المراهقة السياسية أشد خطراً لأن أي تعثر فيها لا قدر الله سيؤثر على مستقبل الأمة
كلها من جهة أما في حالة عدم التعثر وإطالة الفترة فإن هذا سيؤثر أيضاً على
الانتقال لمرحلة الشباب الوطني والعطاء والتفاعل الحقيقي مع قضايا وأمن الوطن
الداخلي والخارجي.
إن ضعف
الثقة والتشكك في النوايا والمقاصد بل والاتهام نتيجة للإندفاع الفكري والصد
الإيديولوجي الواضحان يعتبران بمثابة المحرك الذاتي الأعمى ، حتى أصبح كل طرف ينظر
لفكرة الاتحاد مع الطرف الأخر على أنها فكرة سخيفة تستهدف تحقيق لمصالح متعارضة
إنني هنا أدعو كل شرفاء الوطن وهم كثر والحمد لله بأن ينتبهوا لمرض التوحد ويعملوا
لغرس مفهوم الاتحاد ومن أراد لنفسه أن يبرأ من التوحد ويشفي نفسه بدواء الاتحاد
عليه أن يقوم بما يلي :
1-
إنكار الذات
الشخصية والحزبية الضيقة.
2-
تغليب
ما اتفق عليه من المصالح الوطنية ووضعها في صورة بروتوكول وطني لتحديد الأولويات
على أن يكون أساسه وثيقتي الأزهر والتحالف الديمقراطي.
3-
نبذ
الاختلاف في الوسائل والأدوات وإبداء المرونة السياسية للخروج من الأزمات.
4-
التركز
على الغايات الاستراتيجية وهي تحرير الوطن من النظام السابق وحكم العسكر.
5-
الاستفادة من الجمعة القادمة بالإعلان
عن وقف التنابذ بالشعارت الأيديولوجية والحزبية وتغليب الشعارات الوطنية.
6-
عدم الدخول
في مهاترات إعلامية واستخدام الإعلام لإثارة الرأي العام من طرف ضد أخر.
7-
وأخيراً
قبول المباردة الثلاثية للدكتور محمد البلتاجي التي تدعو للاصطفاف والاتحاد
الوطني.
إننا إن فعلنا ذلك سنكون قد غلبنا المصلحة
الوطنية بالتركيز على الغاية النهائية " الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية
والقصاص لدماء الشهداء ومحاكمة الفاسدين"
إننا ياسادة لا نحتاج إلى من يخوننا أو يكفرنا
إننا بحاجة إلى من يمد يده إلينا ليجعل من قوته قوة إلينا ومن كلمته تحفيزاً أن
نصحاً بل وحتى نقداً ومن لا يستطيع أن يلجم ويجاهد نفسه بفعل الأمران فليصمت، من
كان منكم يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيراً أو ليصمت.
وفي نفس الوقت إننا ندرك أن الاتحاد السياسي غير وارد وغير ممكن بل وغير مطلوب حتى لا نقضي على التنوع في البرامج والإبداع والابتكار في الوسائل ، ولكننا ندعوا للاتحاد على أجندة وطنية خالصة يتنازل كل طرف فيها عن ما يراه من حقه ليعلي المصلحة الوطنية في لحظة تاريخية.
إن مصر
بحاجة ماسة إلى كل من يمد يد التعاون والتكامل لتتضافر الجهود وإن اختلفت الأفكار
والمشاعر الشخصية ولكن عزاؤنا في وحدة الأفكار والمشاعر الوطنية إننا في نقطة
انعطاف حقيقية لمستقبل وطن على حافة الهاوية ، فإما أن نكون أو لا نكون وإذا كان
خيارنا بأن نكون فعلينا بالامتثال لقوله
تعالى (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا،
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ
بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا
حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ
كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿ أل عمران ١٠٣﴾ وإذا أردنا ألا نكون
فعلينا فقط أن نستمر كما نحن ليكون الانتحار الجماعي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لذا أقول لا للتوحد ونعم للاتحاد وصولاً للاعتصام والله
من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون