قيمـــة التاريخ والحضارة
بقلم/ محمد صلاح الدين
عندما كنا نتحدث مع بعض الشباب خلال عصر تراجع هيبة وقوة مصر الناعمة في جميع أرجاء العالم العربي والعالم خلال حقبة الرئيس السابق كان الناس على فريقين :
الأول وهم من فوق سن الأربعين عاماً والذين عاصروا شيئاً من عظمة مصر ، والثاني ما دون الأربعين عاماً الذين لم يدركوا هذه العظمة تاريخاً أو إدراكاً نتيجة لضغط الأحداث وتلاحقها وغياب مصر بصفة شبه كلية عن المشهد أحياناً وحضورها بثوب لا يليق بها في تلك المحافل في أحيان أخرى، نذكر منها الموقف المخزي من حرب غزة وحصارها.
لسنا هنا في هذا المقال للبكاء على الأطلال أو نقد أو جلد الذات، بل نحن هنا لنتحدث عن المستقبل من أكبر زواياه ألا وهي زاوية التاريخ والحضارة وقيمتهما بالنسبة للأفراد والأمم على مر العصور، ولكي يتضح الكلام وتُفسّر المعاني أُقدّم هذه الأية الكريمة للتوضيح (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٨٢﴾ الكهف.
والاستدلال المقصود هنا هو أن الجدار كان تحته ذهب وفضة وكان الغلامين اليتيمين أبوهما صالحاً " ذو تاريخ مشرف وسلوك قويم استحق معه لقب الصلاح " وهذا التاريخ المشرف والحضارة السلوكية لهذا الأب نفعت أبناءه بعد مماته رغم ما تفيده كلمة " المدينة " والتي تهز المعاني العميقة لتدلل على قسوة حال اليتيمين حيث لا يسأل أو يشعر بأحوالهما أحد، الأمر الذي هو من خصال وخصائص المدن في العصر الحديث، وهنا نجد أن الخضر عليه السلام قد قام بإلهام من الله تعالى بعد أن بلغا الغلامين أشهدهما " القدرة على المحافظة على الكنز دون أن يسرقه أو يبدده أحد منهما " بإظهار الكنز لهما، وهذا ما أجده في بلادي ذات الحضارة والعظمة مصر، فما حدث بعد ثورة 25 يناير وما كُشِفَ عنه من دراسات وأبحاث ظلت حبيسة عقود وعقود بعضها لا يعلم بها أحد والبعض لم يأخذ الاهتمام المصري المناسب والأغلب لم يظهر على الملأ للأسباب سالفة الذكر كل ذلك يدل على عظم الثروات المصرية والتي منها ما ظهر في جبل السكري التي ذكرته جريدة المصري اليوم في عددها الصادر بتاريخ ٢٢/١١/٢٠٠٩ بقلم الكاتب الأستاذ / محمد السيد سليمان الذي كتب يُعرّف المكان جغرافياً فيقول: هو «جبل السكرى» بصحراء مصر الشرقية على بعد ١٥ كيلومتراً غرب مدينة «مرسى علم» بالبحر الأحمر، حيث تدخل مصر منتصف نوفمبر الحالى القائمة العالمية للدول الرئيسية المنتجة للذهب، وذلك عقب إعلان الشركة الفرعونية لمناجم الذهب بداية الإنتاج التجارى لأول سبيكة ذهبية من منطقة «جبل السكرى»، حيث تم الانتهاء من تركيب وتجهيز معدات المصنع الخاص بفصل معدن الذهب، ويقدر الإنتاج فى العام الأول للتشغيل بـ ٢٥٠ ألف أوقية، ليرتفع فى العام الثانى إلى ٥٠٠ ألف أوقية، وقد قال المهندس عصمت الراجحى مدير عام الشركة التى تتولى الإستخراج والإنتاج والتصنيع بجبل «السكرى»، أكد لـ«المصرى اليوم» أن هذا المشروع يعد من أهم المشروعات التعدينية الخاصة بإنتاج الذهب، ويعد من أهم ١٠ مناجم إنتاج ذهب فى العالم وأحدثها، ويُدخل مصر القائمة الدولية للدول الأكثر إنتاجاً وتصديراً للذهب فى العالم.
ثم خرجت علينا جريدة 25 يناير في مايو الماضي وتحديداً بتاريخ 26 مايو 2011 لتفجر مفاجأة من العيار الثقيل تحت عنوان " السد العالي يرقد علي تل من الذهب والبلاتين ونصيب كل مصري من أرباح هذا المشروع لا يقل عن 40 مليون جنيه "
ثم جاء الدكتور والخبير الهندسي ورئيس فريق الأبحاث بمعهد الكويت للأبحاث العلمية ومؤسس المجموعة الاستشارية الصناعية بجامعة «جورج تاون» في الولايات المتحدة الأمريكية البروفسير أحمد عبدالجواد ليسوق إلينا مشروعا أشبه بالمفاجأة، حتي إن كثيراً من الناس لا يستطيعون استيعاب ما يقوله وأخذه مأخذ الجد، إذ قال لنا أن السد العالي يرقد علي تل من الذهب والبلاتين يمكننا من استخراج طن ذهب وآخر من البلاتين يوميا ، بخلاف الطمي الذي يكفي لإصلاح ملايين الأفدنة، وأنه لا يريد شيئا أكثر من أن يدعوه أحد ليعمل من أجل وطنه الذي يسعي لتطويره وتنميته.
ثم خرجت علينا جريدة الوفد على لسان الكاتب الأستاذ محمد السيد على في عدد الجمعة 18 نوفمير 2011 لينشر تأكيد الدكتور خالد عودة الخبير الجيولوجى الدولي وأستاذ الجيولوجيا في كلية العلوم - جامعة أسيوط أنه يواصل تجاربه وزياراته الميدانية إلى الصحراء الغربية لتحديد كمية المياه الجوفية المتواجدة فيها بعدما أعلن اكتشاف مخزون ضخم من المياه الجوفية فى منطقة بحر الرمال الأعظم يكفي لزراعة 3 ملايين و 750 ألف فدان في المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا.
وقال عودة في حديث خاص لـ "بوابة الوفد" أن هذا الخزان متجدد خلافاً لآبار المياه الجوفية الأخرى القابلة للنضوب في الصحراء الغربية، فهو يستمد مياهه المتجددة من النهر الليبي الذي غطته الأرض قبل 18 مليون سنة (وفق عودة) وهذا النهر يمد الآن بالمياه مدينة الكفرة الليبية التى تعتبر من أغنى وأشهر الواحات التي تعتمد على المياه الجوفية فى شمال شرق ليبيا، وأشار عودة إلى أن الإكتشاف الجديد يضمن وجود 9 واحات وسهول جديدة تتميز بقرب المياه الجوفية لسطحها الخارجي وجودة أراضيها، لافتاً إلى أنها لم تكن موجودة في الخرائط الطوبوغرافية لدى الجهات العلمية والبحثية.
ونوه إلى أن هناك مغالطة في تسمية هذا الاكتشاف، حيث إن بعض الصحف أطلقت عليه نهر مياه جوفية، وهو ليس بنهر إنما واحات تختزن المياه الجوفية، وقد سبق ذلك إعلان الدكتور فاروق الباز عن هذا الاكتشاف.
والسؤال لماذا تظهر كل هذه الأمور دفعة واحدة والأن بعد ثورة 25 يناير؟
البعض يبكي ويقول: آسفين ياريس، والبعض يقول نحن أبناء مبارك، والبعض من الطيبين الذين لا يهمهم سوى أن يعيشوا وأبناءهم عيشة وميتة كريمة كعموم الشعب المصري يظنون أن الثورة هي السبب في الحالة المتردية التي وصلت إليها البلاد وتدهور حالة العباد، ولكن الحق والحق يصدح إن من تسبب في أوضاعنا الحالية هو الدكتاتورية والإقطاعية التي كان يعمل بموجبها الدكتاتور السابق، حيث أدخل البلاد من فشل إلى فشل بسبب الفساد المستشري في نظامه القائم على الفساد والإفساد من جهة، وبسبب سوء الإدارة وضعف استغلال الموارد وأعظمها ليس معدن الذهب ولكن معدن الإنسان المصري الأصيل الذي يستطيع أن يشد الحضارات ويبني الأساطير من جهة أخرى.
أما اليوم وبعد أن أخرجت الأرض كنوزها وبمنظورنا الإيماني الذي تدلل عليه الآيات الكريمة نقول بأن إخراج الأرض لهذه الكنوز من الذهب واكتشافات الغاز والمياة الجوفية تأتي لتقول أمران:
1- أن كل هذا يأتي بصلاح آبائنا وأجدادنا، فلا لوم عليهم بعد اليوم، ولا يهاجم أحد أبيه الفلاح البسيط أو العامل المجتهد ويقول أنه لم يترك له شيئاً يواجه به مصاعب الحياة، بل نقول اللهم ارحم آبائنا وأجدادنا الصالحين الذين نُكرم وسُيكرم أبنائنا بسببهم.
2- أن ثورة 25 يناير كانت ثورة تجسد كل معاني العظمة المصرية التاريخية وتنبئ عن مستقبل واعد لمصر الحديثة، هذا المستقبل الذي يخشاه أعدائنا في الداخل والخارج.
إن الحضارة ليست تاريخاً يأتي إليه السائحين ليشاهدوه ويدفعوا فيه ولا أموالاً تدخل في خزانة الدولة لتحتسبها مصدراً من مصادر الدخل فحسب، بل هي أحد أبواب المستقبل ومفاتيح الرزق للمساكين والفقراء والضعفاء الطيبيين ، فالشعب أنفق من ثرواته ليكرم الدنيا ويطعم القاصي والداني من خيره عبر العصور " اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ " 61 البقرة وهو ذات الشعب المؤمن الذي وقف للطغاة عبر التاريخ دفاعأً عن الأرض والعرض والمقدسات، وما حطين وعين جالوت عنا ببعيد، وما دار بن لقمان التي شهدت أسر لويس التاسع ملك فرنسا في الحروب الصليبية إلا دلالة على قوة وعظمة مصر وشعبها وجيشها وصلاحها عبر التاريخ، وأن الأمم العظيمة تمرض ولا تموت، تعتل وتشفى، فهل نؤمن بثورتنا ونفخر بثوارنا ونترحم على شهدائنا الأبرار ونرعى جرحانا الأخيار.
أقول ما سبق ولكم التقدير.
اقتراح بتدشين مشروع إدارة الثروات المصرية : بإنشاء ما يمكن أن نطلق عليه " الهيئة المصرية لإدارة الثروات الوطنية" والتي تضم في إدارتها نخبة من العلماء المصريين في الداخل والخارج للإشراف على ثروات الوطن من الناحية الطبيعية والاقتصادية، ووضع الخطط الاستراتيجية لتوظيفها واستثمارها بأفضل صورة لها، ولكن هذا المشروع الاستراتيجي يتطلب قيادة وحكومة وطنية وجهات رقابية قوية تعمل لضمان حسن استخدام الثروات وتعظيم العائد منها للمحافظة على مستقبل الأجيال القادمة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق